مقدمة
إنَّ الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل، الفيضانات، الأعاصير، حرائق الغابات و الانفجارات البركانية، هي حوادث لا تَنتظِر و لا تُمنع. إنها تأتي بشكل فُجائي و غير متوقع، و لا تترك مجالًا كبيرًا للتحضير و الاستعداد لها بشكل مناسب. في لحظات، تنقلب الحياة رأسًا على عقب، يتزعزع وجودُ الأفراد و تغرق مجتمعات بأكملها في حالة من الذُّعرِ و الفوضى.
عندما تقع مثل هذه الأحداث و الكوارث الطبيعية، فإن لديها القدرة على زعزعة استقرار المسار الطبيعي للوجود البشري بشكل عميق. هذه الأحداث التي لا يمكن التنبؤ بها، و التي غالبًا ما تكون مدفوعة بقوى الطبيعة الهائلة، تُعطِّل الحياة الجماعية و المجتمعية بأكملها، و تترك وراءها علاماتٍ لا تُمحى. إن تأثير مثل ِهذه الأحداث يتجاوز بكثير الأضرار المادية التي تُسبِّبُها؛ كما أنها تُقوِّض التوازن العاطفي و التماسك الاجتماعي و تُحدثُ رجَّةً في تصوُّرَنا للعالم المُحيط بنا.
ردود الفعل الفورية غالباً ما تُركِّز الاستجابة فيها، لهذه الكوارث، على الأمن المادي، توفير الإغاثة، و إعادة إعمار البنية التحتية. و هذا شيء محمود و مطلوب، و لكن، من المهم بنفس القدر، أن نُدرك و نَنْتبِهَ إلى التأثير النفسي العميق الذي تُحدثه هذه الأحداث على الأفراد و الجماعات. و منها التَّوتُّر و الإجهاد، الضّيق العاطفي، الفجيعة و فقدان العلامات المرجعية، كلها نماذج من العواقب الشائعة، لمثل هذه الأحداث، التي يمكن أن تستمر إلى ما بعد مرحلة الأزمة الأولية.
و من هذا المنظور، إنه لضروري و أساسِي استكشاف، معرفة و فهمُ التداعيات النفسية لهذه الأحداث المدمرة على المدى القصير، المتوسط و الطويل. سيمكّننا هذا من دعم المتضررين بشكل أفضل، و بناء قدرة الجماعة/المجتمع على الصمود، و صياغة سياسات و استراتيجيات أكثر فعالية لإدارة الكوارث و الأزمات كيفما كانت طبيعتها. من خلال الغوص في هذا البعد المعقد من الوجود الإنساني، سنكتشف كذلك، كيف تتفاعل البشرية في مواجهة الشدائد و كيف تجد القوة للنهوض مرة أخرى، حتى بعد أحلك اللحظات.
تداعيات نفسية على المدى القصير
إن التداعيات النفسية المباشرة و الفورية لزلزال قوي، كزلزال الحوز الذي ضرب بلدنا ليلة الثامن من شتنبر لهذه السنة، تكون ساحقة، في كثير من الأحيان، و عميقة التأثير.
تعتبر هذه المرحلة الأولية، التي تتميز بالصدمة الأولية، بشكل خاص ، فترة صعبة و عصيبة، بالنسبة للأفراد و الجماعات المتضررة.
أ. الصدمة الأولية
تحدُث الصدمة الأولية، عادة، عندما تهتز الأرض و تبدأ المباني في التمايل و الأشياء المختلفة في السقوط. إنها أول استجابة عاطفية تصدر و صدرت من الناس بسبب الزلزال ٍالعنيف. و من أهمِّ ما يُميِّز رد الفعل هذا، نذكر ما يلي على سبيل المثال لا الحصر:
1. رد الفعل الفوري على الحدث الزلزالي
يمكن أن يكون الزلزال شديداً للغاية لدرجة أن الأرض تبدأ في الاهتزاز بشكل غير متوقع يبُثُّ الرُّعب و الذُّعر في النفوس. كما يجتاح الناسَ و ينتابهم شعور بالمفاجأة و العجز مِمَّا يُعطِّل، على الفور، أَمْنَ و استقرار الحياة اليومية و إمكانية التَّكَهُن بها. كما يتفاجأ الأفراد بفشلهم و عدم قدرتهم على التَّنبُّؤِ بخطورة الوضع و مآله.
2. الخوف، القلق و الذعر
الخوف هو أحد المشاعر الأكثر شيوعًا التي تشعر بها أثناء الزلزال القوي. تخلق الزلازل إحساسًا فوريًا بعدم الأمان حيث يخشى الناس على سلامتهم و سلامة أحبائهم. و يزداد القلق مع استمرار الاهتزاز، و غالبًا ما يكون مصحوبًا بالذعر. و هذا الذعر، يمكن أن يؤدي بالناس، تحت ضغطه الشديد، إلى القيام بسلوكيات متهورة مثل الهروب السريع و المفاجئ أو البحث عن ملجأ أو القفز من أعلى.
كل هذه الردود الفعلية الأولية، هي استجابة طبيعية و فورية لموقف غير عادي. الصدمة الأولية هي محاولة من العقل البشري للتكيف مع ما هو غير متوقع و مخيف. يعد فهم هذه المرحلة أمرًا بالغ الأهمية لتنفيذ استراتيجيات الاستجابة الفورية التي تهدف إلى تهدئة الأفراد و تقليل المخاطر و تخفيف التداعيات النفسية قصيرة المدى. الساعات الأولى بعد وقوع زلزال قوي هي وقت حرج لتقديم الدعم النفسي و العاطفي للمتضررين، و مساعدتهم خلال هذا الوقت العصيب.
ب. الصدمة
تعتبر الصدمة من أهم التداعيات النفسية، على المدى القصير، التي تفرض نفسها و البليغة التعبير عقب وقوع زلزال عنيف. و يتجلى ذلك من خلال سلسلة من التجارب المدمرة، التي يعيشها الفرد و الجماعة، التي تؤثر بشكل ملحوظ من خلال مجموعة من الأعراض على المستوى الجسدي و النفسي.
1. الإصابات الجسدية و النفسية
إنَّ الزلازل القوية تكون دائما مصحوبة بالمخاطر الجسدية الآتية من المباني المنهارة و الحطام المتطاير، مِمَّا يمكن أن يُعرِّضَ أيّ شخص أو أيّ مجموعة إلى إصابات خطيرة أو حتى خسائر في الأرواح. و مثل هذه الإصابات الجسدية تكون واضحة و الاهتمام بها يكون فوري بتوفير عناية طبية طارئة في حين، أن الجروح النفسية تكون أقل وضوحًا، غير أنها حقيقية أيضًا. حيث قد يتعرض الضحايا شهود الدمار، أو ضحايا الخسائر المادية الفادحة، أو أولئك الذين نجوا من مواقف محفوفة بالمخاطر، لصدمات نفسية عميقة تتجلى من خلال مجموعة من الأعراض و التَّجليات مثل الكوابيس، القلق و التوتر، الإحساس بالضغط المستمر، استرجاع وَمضاتِ من الماضي، التهيج و الاضطراب العاطفي الشديد، الخ…
2. التأثير على التَّوازن العاطفي
يمكن أن تؤدي الصدمة النفسية إلى تأثير كبير على الصحة العاطفية للمتضررين بسبب الزلزال. مشاعر مثل الحزن، الغضب، الاضطراب و الشعور بالذنب قد تنشأ و تظهر بقوة بعد التجربة المؤلمة. و قد يشعر الأفراد بالإرهاق من هذه المشاعر بكثرة ما هم غارقين فيها، و التي يمكن أن تُعيق و تُعطِّلَ قدرتهم على العمل بشكل طبيعي في حياتهم اليومية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤثر الصدمة أيضًا على العلاقات بين الأشخاص. قد يجد الأفراد المصابون بصدمة نفسية صعوبة في التواصل أو التعبير عن مشاعرهم، مما قد يخلق توترًا داخل الأسرة و المجتمع.
و من الضروري أن ندرك أن الصدمة هي رد فعل طبيعي لمواقف خارج عن العادة مثل الزلازل العنيفة. و من الضروري كذلك أن نعرف أن الاستشارة و الدعم النفسي المناسب يعتبر أمرًا ضروريًا لمساعدة الأفراد على التغلب على هذه التداعيات و العواقب على المدى القصير، و تقليل أعراض الإجهاد اللاحق للصدمة، و البدء في عملية الشفاء العاطفي. إن التدخل المبكر يلعب دوراً حاسماً في التقليل من آثار التداعيات و العواقب للصدمة على المدى الطويل.
ج- فقدان المعالم المرجعية
إن فقدان المرء للمعالم المرجعية الاعتيادية التي تعطيه الوعي بوجوده هو تجربة مزعجة للغاية و يمكن أن تتخذ أشكالًا عديدة، بما في ذلك دمار الممتلكات المادية و الارتباك العقلي، مما يؤدي إلى الإلتباس و الغموض.
لفهم هذه العناصر بشكل أفضل، دعونا ننظر إليها بمزيد من التفصيل.
1. دمار الممتلكات المادية
غالبًا ما يكون دمار الممتلكات المادية هو الجانب السائد في فقدان المعالم المرجعية. و يمكن أن يظهر ذلك بطرق عديدة، بما في ذلك الكوارث الطبيعية مثل زلزال الحوز أو العواصف و الأعاصير أو الحرائق. يمكن أن تتسبب هذه الأحداث في خسارة مفاجئة و مدمرة للأصول المادية، مثل المنازل و السيارات و الممتلكات الشخصية القيِّمة، و حتى أحياء بأكملها. يمكن أن تؤدي هذه الخسارة المادية إلى ضائقة عاطفية عميقة، حيث يجد الأفراد أنفسهم فجأة بلا مأوى، دون ممتلكات، وفي كثير من الأحيان دون وسيلة للدعم. و نتيجة لذلك، فإن فقدان المعالم المرجعية بسبب دمار الممتلكات المادية يمكن أن يثير مشاعر الضعف و اليأس و العجز.
2. الارتباك العقلي و الإلتباس
الارتباك العقلي و الإلتباس أعراض نفسية ترتبط في كثير من الأحيان بفقدان المعالم المرجعية. عندما يواجه الأفراد أحداثًا مؤلمة أو اضطرابات كبيرة صادمة، فقد يعانون من الارتباك العقلي الشديد. و يتجلى هذا أحيانًا في عدم القدرة على فهم ما يحدث حولهم، و صعوبة اتخاذ قرارات عقلانية، و الشعور و كأنهم يعيشون في حالة من الضباب العقلي. يمكن أن ينشأ الارتباك العقلي أيضًا بسبب عدم اليقين بشأن المستقبل و كيفية التعامل مع موقف غير متوقع.
في الختام، فقدان المعالم المرجعية هو عملية معقدة يمكن أن تنجم عن ظروف مختلفة، بما في ذلك دمار الممتلكات المادية و الارتباك العقلي. فَهمُ هذه العناصر يُعَدُّ أمرًا ضروريًا لمعرفة و ضبط التحديات النفسية و العاطفية، التي يواجهها الأفراد، بشكل أفضل عندما يتعطل عالمهم بهذه الطريقة العميقة و المدمرة.
د. احتياجات الدعم النفسي الفورية
عندما يواجه الشخص وضعية متأزِّمة أو حالة صدمة، فإن احتياجاته للدعم النفسي تكون ضرورية و أساسية لتعزيز قدرته على الصمود و التعافي. من هذا المنظور و مع أخذ ذلك في الاعتبار، من الضروري فهم ما يلي بالتفصيل:
1. الاستجابة لحالات الطوارئ و التَّدخل السريع
التدخل السريع و الاستجابة لحالات الطوارئ هو خط الدفاع الأول لتلبية احتياجات الدعم النفسي الفورية. تعتبر هذه التدخلات ضرورية لتحقيق الاستقرار النفسي لدى الشخص الذي يعاني من أزمة و ضائقة عاطفية و وضعه على طريق التعافي. و تتألف هذه التدخلات السريعة، عمومًا، من تدابير دعم فورية و عملية، مثل ضمان السلامة الجسدية و الراحة العاطفية و توفير الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء و الماء و المأوى. تهدف هذه الإجراءات إلى تقليل التوتر الفوري و تهدئة المشاعر الشديدة التي قد تنشأ بعد وضعية متأزِّمة أو حالة صدمة. غالبًا ما يشارك متخصصو الصحة النفسية و الفاعلون الاجتماعيون و المستجيبون الأوائل من فرق الإنقاذ من الوقاية المدنية، الجيش، الدرك ، الشرطة و القوات المساعدة، في تقديم و مَنحِ هذه التدخلات الحيوية و المنقذة للحياة.
2. تدبير الأزمة
يعتبر تدبير الأزمة عنصراً أساسياً في الدعم النفسي الفوري. إنه يتطلَّب العمل مع الشخص الذي يعاني من محنته و رسم خطة دعم مناسبةٍ له حتى يتمكن من فهم وضعِه و تحديد احتياجاته الخاصة. قد يشمل ذلك تقنيات إدارة الضغط و التوتر، و استراتيجيات المواجهة، و الموارد اللازمة للتعامل مع المشاعر الشديدة القوة. يهدف تدبير الأزمة إلى مساعدة الشخص على استعادة الشعور بالسيطرة على حياته و تطوير آليات التكيف السَّليمة و الصحية للتعامل مع الشدائد. و قد يشمل أيضًا، جلسات استشارية طارئة لمساعدة الشخص على التعبير عن مشاعره و فهم ردود أفعاله و تطوير استراتيجيات للوقوف على قدميه مرة أخرى.
تعتبر الاستجابة للاحتياجات الفورية للدعم النفسي ضرورية لمساعدة الأفراد على اجتياز أصعب الأوقات في حياتهم. و يشكِّل التدخل السريع و تدبير الأزمة العنصرين الحيويين في هذه العملية، التي تهدف إلى استعادة الاستقرار العاطفي و إرساء الأساس للتعافي على المدى الطويل.
تداعيات نفسية على المدى المتوسِّط
غالبًا ما تكون العواقب و التداعيات النفسية على المدى المتوسط لحدث صادم، مثل زلزال الحوز، معقدة و ذات تأثير كبير على الصحة النفسية للأفراد. دعونا نستكشف، بالتفصيل، جانبين أساسيين في هذا السياق:
أ. اضطرابات التوتر ما بعد الصدمة (PTSD)
تعد اضطرابات التوتر ما بعد الصدمة أحد أكثر العواقب و التداعيات النفسية شيوعًا و إثارة للقلق على المدى المتوسط بعد وقوع الزلزال. عادة ما تتطور لدى بعض الأشخاص الذين مروا بتجارب مؤلمة و يجدون صعوبة في التعامل مع ذكرياتهم و العواطف المرتبطة بها. جانبان مهمان يجب مراعاتهما كما يلي:
1. تطور اضطراب التوتر ما بعد الصدمة بعد الزلزال
بعد وقوع الزلزال، يتعرض العديد من الأشخاص لأحداث مؤلمة، مثل فقدان أحبائهم، أو تدمير الممتلكات، أو الخوف الشديد على حياتهم. قد يؤدي هذا إلى تطور اضطراب ما بعد الصدمة لدى البعض لاحقًا. يمكن أن يحدث اضطراب ما بعد الصدمة بعد وقت قصير من وقوع الحدث الصادم أو يظهر بعد أشهر أو حتى سنوات. و من بين عوامل الخطر التي تساهم في دعم و تعقيد هذه الإضطرابات نذكر مدَّةُ و شدة التعرض للصدمة، تاريخ الاضطرابات العقلية الشخص و العائلي و مستوى الدعم الاجتماعي المتاح. أمام هذا الوضع، يلزم و يبقى من الضروري مراقبة الأفراد المُعرَّضين للزلزال بعناية و تزويدهم بالدعم النفسي المناسب لمنع أو تخفيف تطور اضطراب التوتر ما بعد الصدمة.
2. الأعراض و التشخيص
يتميز اضطراب التوتر ما بعد الصدمة بمجموعة من الأعراض العاطفية و السلوكية و الفسيولوجية. تشمل الأعراض الشائعة الكوابيس، ومضات من الذاكرة الصَّدمية، الأفكار الاقتحامية، تجنب التذكير بالحدث المؤلم، اليقظة المفرطة، و تغيرات مزاجية كبيرة.
لتشخيص اضطراب التوتر ما بعد الصدمة، يقوم أخصائي الصحة النفسية بتقييم وجود هذه الأعراض و شدتها على مدى فترة زمنية ممتدة، عادة ما تكون شهرًا على الأقل. يعد التشخيص المبكر و التدخل العلاجي المناسب أمرًا بالغ الأهمية لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من اضطراب التوتر ما بعد الصدمة في التغلب على أعراضهم و استعادة نوعية حياة عاطفية سليمة و مُرضية.
إن التداعيات النفسية على المدى المتوسط للزلزال، و لا سيما تطور اضطراب التوتر ما بعد الصدمة، تتطلب اهتماما خاصا من حيث الوقاية و الفحص و العلاج. و يُعَدُّ فهم الآليات و الأعراض الأساسية المرتبطة باضطراب التوتر ما بعد الصدمة أمرًا ضروريًا لتوفير الدعم الفعال للأفراد المتضررين و تعزيز تعافيهم و صحَّتهم النفسية.
ب- الحزن و الخسارة
الحزن و الخسارة جانبان لا يمكن تجنُّبهما في حياة الإنسان، و لكن عندما يحدثان فجأة و بشكل مُدمِّر، كما هو الحال أثناء حدث صادم أو كارثة طبيعية كزلزال الحوز، يمكن أن يكون لهما تأثيرات عاطفية عميقة. و لفهم هذه العناصر بشكل أفضل، لنلقي نظرة فاحصة على الوجهين الرئيسيين للحزن و الخسارة:
1. الخسائر البشرية
عند وقوع الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل أو الفيضانات، أو وقوع أي حدث مؤلم كبير، تعتبر خسارة الأرواح واحدة من أكثر العواقب المدمرة. إن فقدان الأحباب، سواء من العائلة أو الأصدقاء أو أفراد المجتمع، يجلب حزنًا عميقًا و شعورًا بالفراغ يصعب التغلب عليه. قد يواجه الأفراد الذين يواجهون فقدان أحبائهم مجموعة معقدة من المشاعر، بما في ذلك الحزن ، الغضب ، الشعور بالذنب و اليأس. عملية الحزن يمكن أن تختلف من شخص لآخر، و من الضروري إدراك هذه الاختلافات و احترامها مع توفير الدعم العاطفي المناسب.
2. الحداد على فقدان الأمن و الممتلكات
بالإضافة إلى الخسائر البشرية، يمكن للأفراد المتأثرين بكارثة أو صدمة أن يشعروا أيضًا بالحزن المرتبط بفقدان الممتلكات المادية و فقدان الشعور بالأمن و الأمان. و يمكن أن يؤدي دمار المنازل، الممتلكات الشخصية و البنية التحتية إلى شعور قوي بالخراب و الضعف. و قد يشعر الأشخاص المصابون، كذلك، بالحرمان و العجز في مواجهة فقدان محيطهم المألوف و تَعَطُّل ِ الروتين اليومي.
و يؤدي هذا الحزن إلى توليد مخاوف مالية و مخاوف بشأن المستقبل، مما يضيف بعدًا إضافيًا لعملية الحزن.
باختصار، الحزن و الخسارة، سواء كانت ناجمة عن فقدان الأرواح أو دمار الممتلكات و فقدان الأمن و الأمان، هي جوانب أساسية يجب مراعاتها عند تقييم التأثير العاطفي لكارثة صادمة أو حدث مؤلم. إن معالجة هذه الخسائر، فضلاً عن تقديم الدعم العاطفي و العملي، أمر بالغ الأهمية لمساعدة الأفراد على التغلب على هذه التحديات و بدء عملية الشفاء.
ج. التأثيرات على العلاقات الشخصية
عند أي وضعية متأزمة أو وقوع كارثة طبيعية أو حدث مؤلم، من بين ما يتأثر و يتزعزع و بعمق هو بنية العلاقات بين الأشخاص. لذلك، من المهم إلقاء نظرة فاحصة على هذه التأثيرات على العلاقات الإنسانية، مع التركيز على جانبين رئيسيين كما يلي:
1. التأثير على الأسرة و المجتمع
تميل الكوارث و الأحداث المؤلمة إلى التأثير بشكل كبير على العلاقات، بين الأفراد، داخل الأسر و الجماعات/المجتمعات. قد يواجه أفراد الأسرة خسائر مأساوية، مثل فقدان أحبائهم أو ممتلكاتهم أو منازلهم، و هذا يسبب صدمة عاطفية و ضغطًا نفسيًا كبيرًا.
و من الوارد، أن تتوتر العلاقات الأسرية و تمر باختبارٍ عسير خلال سعي الأفراد إلى التغلب على الخسارة و الضيق العاطفي و إعادة بناء حياتهم. و بالمثل، على مستوى المجتمع المحلي، يمكن أن يتعزَّز التضامن من خلال المساعدة و الدعم المتبادل، و لكن التوترات و الصراعات يمكن أن تنشأ أيضًا بسبب محدودية الموارد و تحديات إعادة الإعمار. و إنه لمن الأهمية بمكان أن نفهم كيف تؤثر هذه الأحداث على الديناميات الأسرية و الجماعية/المجتمعية لتلبية احتياجات المتضررين بشكل أفضل.
2. التغيرات في العلاقات الاجتماعية
يمكن أن تؤدي الكوارث و الأحداث المؤلمة، أيضًا، إلى تغييرات في العلاقات الاجتماعية خارج الأسرة و الجماعة. قد يشعر الأفراد بالحاجة إلى الانسحاب بسبب الاضطراب العاطفي أو، على العكس من ذلك، طلب المزيد من الدعم من الأصدقاء أو الزملاء أو الشبكات الاجتماعية الأخرى. قد تتشكل صداقات جديدة استجابة للتجارب المشتركة، في حين، من جانب آخر، قد تتعرض بعض العلاقات القائمة إلى التفكك بسبب التوتر و تضارب و تنافسية الاحتياجات. في هذا السياق، يلعب أخصَّائيوا الصحة النفسية دورًا حيويًا في مساعدة الأفراد على إدراك و استيعاب هذه التغييرات في العلاقات الاجتماعية، مما يوفر مساحة للدعم و التواصل.
باختصار، الأحداث المؤلمة و الكوارث لها تأثير كبير على العلاقات بين الأشخاص، سواء داخل الأسرة أو المجتمع أو العلاقات الاجتماعية الأوسع. إن فهم هذه التأثيرات أمر ضروري لتوفير الدعم المناسب للمتضررين و تعزيز مرونة العلاقات الإنسانية في أوقات الأزمات.
تداعيات نفسية على المدى الطويل
تعد الآثار النفسية على المدى الطويل، لكارثةٍ أو صدمةٍ أو حدث كبير ، أمرًا بالغ الأهمية، يوجِب معرفتها و استكشاف مكانيزماتها لفهمها بهدف مساعدة الأفراد المتضررين على تنمية قدرتهم على الصمود و التعافي. و من هذا المنطلق، سنلقي نظرة فاحصة على عنصرين مهمين:
أ. التعافي و القدرة على الصمود
يعد التعافي و القدرة على الصمود جانبين أساسيين في مساعدة الأفراد على التغلب على التأثير النفسي لكارثة أو صدمة أو حدث كبير. و من خلال النظر عن كثب إلى هذه العناصر، يمكننا أن نفهم بشكل أفضل كيف يمكن للأشخاص التعافي و النمو بشكل أقوى بعد التجارب الصعبة.
1. عملية التعافي طويلة الأمد
إن عملية التعافي على المدى الطويل من الكوارث أو الصدمات هي رحلة معقدة و شخصية. و تشمل مراحل مختلفة، نسرُدُ منها، على وجه الخصوص ، إعادة بناء الحياة اليومية، و التكيف مع التغييرات و التَّغيُّرات، و التدبير المستمر لضغوط التوتر ما بعد الصدمة، و إعادة الاندماج في الجماعة/المجتمع. و يمكن أن تمتد هذه العملية على مدى سنوات أو حتى عقود، ارتباطاً بشدة الحدث و قدرة الفرد على الصمود. متخصصو الصحة النفسية يلعبون دورًا حيويًا في تقديم الدعم المستمر، و مساعدة الأشخاص على تحديد أهداف التعافي الخاصة بهم، و تزويدهم بالأدوات اللازمة للتعامل مع التحديات اليومية المستمرة. تعتبر عملية التعافي على المدى الطويل فريدة من نوعها بالنسبة لكل فرد، و من الضروري احترام احتياجات كل شخص و كذا وتيرته الخاصة في إنجاز و خلق التغيير.
2. دور القدرة الفردية على الصمود
تلعب القدرة الفردية على الصمود دورًا رئيسيًا في مدى نجاح الشخص في التغلب على التأثير النفسي لكارثة أو صدمة على المدى الطويل. تشير القدرة الفردية على الصمود إلى استطاعة الشخص على التكيف مع التحديات، و التعافي من التجارب الصعبة، و الازدهار على الرغم من الشدائد. و تعتمد على عدة عوامل، مثل الموارد الشخصية و الدعم الاجتماعي و مهارات التأقلم و القدرة على إيجاد المعنى في التجربة المؤلمة و المغزى منها. و الأشخاص، الذين يتمتعون بقدرة فردية على الصمود، لديهم فرص أكثر و حظوظ أكبر للتعافي من الصدمة، و مواصلة حياةٍ مُقنعةٍ و مُرضية بعد وقوع الكارثة. و لذلك، فإن تشجيع و تعزيز القدرة الفردية على الصمود يعد هدفًا أساسيًا للرعاية النفسية على المدى الطويل.
إن العواقب و التداعيات النفسية لكارثة أو صدمة على المدى الطويل هي جانب حاسم يجب مراعاته لتعزيز تعافي الأفراد. تعد عملية التعافي على المدى الطويل و دور القدرة الفردية على الصمود من العناصر الأساسية في مساعدة الأشخاص على إعادة البناء بعد التجارب المؤلمة و استعادة الشعور بالحياة الطبيعية و الرفاهية فيها.
ب. التغير في تصور المخاطر
عندما يواجه الشخص كارثة أو حدثًا مؤلمًا أو أزمة كبيرة، فإن تصوره للمخاطر و إدراكه لها يمكن أن يخضع لتغييرات عميقة. هذه التحولات ستكون محدِّدة لاتجاهات الحياة لدى كل فرد متضرر. لفهم هذه التحولات بشكل أفضل، نتعرض في ما يلي إلى عنصرين أساسيين في هذه العملية:
1. الاستعداد و الوعي بالمستقبل
بعد التعرض لكارثة أو صدمة، يصبح الكثير من الناس أكثر وعيًا بأهمية الاستعداد للمخاطر المستقبلية. و يمكن اتخاذ خطوات لبناء القدرة على الصمود على المستوى الشخصي و الجماعي/المجتمعي، مثل وضع خطط الطوارئ، و تخزين الإمدادات الأساسية، و المشاركة في التدريب على تدبير و إدارة الكوارث، و بَنينَةِ السلوكيات الحميدة و البنَّاءة و البحث عن معلومات حول المخاطر المحلية. هذا الوعي المتزايد بالمخاطر يمكن أن يُترجم أيضًا بالتَّطوُّع، الإسهام و المشاركة في أنشطة ترمي إلى الحد منها و من تأثيرها، سواء من خلال الدعوة إلى تعزيز سياسات السلامة و الإنخراط فيها، أو دعم مبادرات الوقاية من الكوارث، أو المساهمة في توعية المجتمع بهذا الخصوص.
2. التغيرات في تصور التهديد
بعد التعرض للصدمة، يمكن أن يخضع إدراك التهديد لتغييرات كبيرة. قد يصبح الأفراد أكثر حساسية لمواقف أو إشارات خطر معينة، و التي قد تكون رد فعل طبيعي لتجربتهم المؤلمة. إلاَّ أن هذا يمكن أن يؤدي أيضًا، إلى زيادة التفاعل مع مسببات الضغط و التوتر، مما قد يجعل من الصعب التحكم في المشاعر و القلق. هنا، دور متخصصي الصحة النفسية يكون دورًا حيويًا في مساعدة الأشخاص على فهم و تكييف هذه التغييرات في تصورات التهديد، و مساعدتهم على إعادة إنشاء التوازن بين اليقظة اللازمة للسلامة و الاستجابة المفرطة للخطر.
يعد تغيير تصور المخاطر جانبًا مهمًا من عواقب و تداعيات التأثير النفسي بعد وقوع كارثة أو صدمة. و في حين أن هذا يمكن أن يؤدي إلى تغييرات إيجابية مثل الاستعداد للمخاطر المستقبلية، فمن الضروري أيضًا مراقبة التغيرات السلبية المحتملة في إدراك التهديد و توفير الدعم النفسي المناسب لمساعدة الأفراد على التعامل مع هذه التحديات.
ج- إعادة بناء الحياة
إن إعادة بناء الحياة بعد التعرض لكارثة أو صدمة أو حدث كبير، كزلزال الحوز، هي عملية معقدة تتطلب الوقت و القدرة على الصمود. تمى هذه العملية بعدة مراحل و خطوات مختلفة من الممكن اختزالها في عنصرين أساسيين هما اللذان نعرض بالتفصيل لفهم العملية بشكل أفضل:
1. التكيف مع الواقع الجديد
بعد المرور بتجربة مؤلمة، حتماً ما يواجه الأفراد حقائق جديدة يجب عليهم التكيف معها. و قد يشمل ذلك تغييرات في بيئتهم، و روتينهم اليومي، و علاقاتهم الاجتماعية، و حتى نظرتهم للحياة. قد يكون التكيف مع هذه الحقائق الجديدة أمرًا صعبًا، لأنه يتطلب مرونة عقلية و عاطفية. قد يشعر الأفراد بخسارة الحياة التي كانوا يعيشونها قبل وقوع الكارثة، الأمر الذي من شأنه أن يولد حزنًا معقدًا. و هنا، يلعب أخصَّائيُّوا الصحة النفسية دورًا حيويًا في مساعدة الأشخاص على اجتياز هذه التعديلات، و مساعدتهم في العثور على مصادر جديدة للاستقرار و الرضا في حياتهم.
2. استعادة الاستقرار العاطفي
تعد استعادة الاستقرار العاطفي هدفًا حاسمًا عند إعادة بناء الحياة بعد الكوارث أو الصدمات. قد يواجه الأفراد مجموعة من المشاعر المعقدة، بما في ذلك الغضب و الحزن و الخوف و الشعور بالذنب. يمكن أيضًا أن يستمر الإجهاد اللاحق للصدمة على المدى الطويل.
لاستعادة الاستقرار العاطفي، من المهم توفير الدعم النفسي المستمر، بما في ذلك جلسات العلاج و مجموعات الدعم و تقنيات تدبير التوتر الذاتي. يعد تطوير مهارات و استراتيجيات التكيف العاطفي للتعامل مع مسببات التوتر أمرًا ضروريًا لمساعدة الأفراد على استعادة التوازن العاطفي و العيش حياة مُرضية على الرغم من التحديات.
إعادة بناء الحياة بعد وقوع كارثة أو صدمة تتضمن التكيف مع الحقائق الجديدة و استعادة الاستقرار العاطفي. و هي عملية مستمرة تتطلب الدعم النفسي المناسب لمساعدة الأفراد على التغلب على العقبات و استعادة نوعية حياة مرُضية بعد المرور بأحداث صعبة.
خاتمة
يعد فهم الآثار النفسية بعد وقوع زلزال شديد أمرًا ضروريًا لدعم الأفراد و الجماعات/المجتمعات المتضررة من مثل هذه الأحداث. فيما يلي خلاصة النتائج الرئيسية لهذا العرض و تسليط الضوء على الأهمية الحاسمة للتوعية و الدعم النفسي.
أ. ملخص التداعيات النفسية القصيرة والمتوسطة و البعيدة المدى
يتطور التأثير النفسي للزلزال العنيف مع مرور الوقت، و يمر بمراحل مختلفة.
على المدى القصير، قد يتعرض الأفراد لصدمة عاطفية، و قلق، و اضطرابات في النوم، و أعراض أخرى للإجهاد الحاد.
على المدى المتوسط، قد تنشأ مشاكل مثل اضطراب التوتر ما بعد الصدمة، و فقدان المعالم المرجعية ، و التغيرات في العلاقات بين الأشخاص.
و على المدى الطويل، تصبح إعادة بناء الحياة و تغيير تصورات المخاطر جوانب حاسمة للتعافي. و من الضروري التعرف على هذه التأثيرات في مراحل مختلفة و تقديم دعم مخصص لتعزيز القدرة على الصمود.
ب. الدعوة إلى التوعية بأهمية الدعم النفسي بعد الزلزال العنيف
العواقب النفسية للزلزال العنيف عميقة و دائمة. و لذلك، لا بد من زيادة الوعي باحتياجات الدعم النفسي و توفير الوصول الكافي إلى خدمات الصحة النفسية الجيدة و الفعَّالة. و يجب على الحكومة و مكونات المجتمع المدني و ِلمَ لا حتى المنظمات الإنسانية و مهنيي الصحة النفسية و كل المكونات المعنية الأخرى العمل معًا لإنشاء برامج فعالة للوقاية و التدخل. و ينبغي إعلام و إخبار الأشخاص و الجماعات/المجتمعات المتضررة بتوفر هذه الخدمات و تشجيعهم و حثِّهم على طلب المساعدة عند الضرورة و تسهيل الولوج إليها. و ينبغي أن يكون التثقيف بشأن إدارة الإجهاد و القدرة على الصمود و الوعي بالآثار النفسية للزلازل من الأولويات في البرامج التربوية في إطار مدرسي/أكاديمي و خارجه.
محمد فراج د. ف.، مختص في علم النفس، محترف التنويم المغناطيسي.FB-Instagram-TikTok: @psyfaraj
برشيد في 11 شتنبر 2023